ثاني سور القرآن العظيم، وإحدى سوره المدنيّة، وقد كانت أوّل السور نزولاً في المدينة المنوّرة بحسب بعض الأقوال، عدد آياتها مئتين وستٍّ وثمانين آية، وتتميّز هذه السورة بأنها السورة الأطول في القرآن العظيم.
قيل إنّ هذه السورة سمّيت بهذا الاسم بسبب ورود قصة بني إسرائيل والبقرة فيها، وقيل أيضاً بسبب كثرة الأحكام والمواضيع التي جاءت بها هذه السورة العظيمة.
إن سورة البقرة، وعلى رأسها قصة بني إسرائيل، تتضمن عددا من الفوائد الحسية والمعنوية والمنطقية، والتي لا يدركها القارئ، ولدينا العديد من الموضوعات الشيقة فيها، وفي كثرة المواضيع التي تتحدّث عنها والتي تمتلئ معانٍ وعبر جميلة يجب على المسلمين الاستفادة منها وتطبيقها باستمرار في حياتهم العملية.
فمن أبرز سمات بني إسرائيل التي وردت في هذه القصة أنهم كانوا كثيري السؤال والاستفسار، الأمر الذي صعَّب عليهم أداء المهمة التي طلبت منهم، وهي إحضار بقرة وذبحها لتنكشف لهم هويّة القاتل الذي ارتكب جريمةً.
لو التزم بنو إسرائيل بعموم الكلام الموجّه إليهم، ولم يرهقوا رسول الله موسى –عليه الصلاة والسلام- بكثرة الأسئلة التي لا طائل منها، لكان تنفيذ المهمّة أسهل؛ فالله تعالى لم يحدّد أوصاف البقرة، بل عمَّم اللفظ ليشمل أي بقرة.
هذه العبرة هي أكثر ما يحتاج إليه العرب بشكل خاص والمسلمون بشكل عام في يومنا هذا؛ فكثرة الأسئلة بسبب ومن دون سبب ليست من الدين؛ إذ إنّها تجر الويلات، وتحوّل الحياة إلى جحيم، ممّا يؤدّي إلى تفلّت ونفور الناس من تطبيق الواجبات الدينية، وتعقيد الدين بنظر المسلمين وغير المسلمين ممّن هم على شفا الدخول في هذا البستان، وهذا بالضبط ما يحصل اليوم.
إنّ المداومة على قراءة سورة البقرة وتعهّدها بالحفظ والمتابعة له أجر كبير، وفضل عظيم، وتتبادر آياتها وتتسارع إلى المكانة الخاصّة والعليا في الفضل وتحصيل الحسنات والنعم.
ومن ذلك ما جاء في الحديث أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- استعمل أحد أصحابه بسبب حفظه لسورة البقرة، قال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: "استعملَني رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأنا أصغرُ الستَّةِ الذين وفدُوا عليه من ثقيفٍ وذلك أنّي كنتُ قرأتُ سورةَ البقرةِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّ القرآنَ ينفلتُ منِّي؛ فوضع يدَه على صدري، وقال: يا شيطانُ اخرُجْ من صدرِ عثمانَ، فما نسيتُ شيئًا أريدُ حفظَه".
وكان الصّحابة الكرام يعرفون فضل حفظ سورة البقرة؛ فكانوا يُقدّمون أصحابها الآخذين بها، فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "وكانَ الرجلُ إذا قرأَ البقرةَ وآلَ عمرانَ جدَّ فينَا، يعني عَظُمَ".
انقلبت الآية يوم حنين بعد ان كانت الغلبة للمسلمين، ولكن حدث مالم يحدث عقباه، حيث فِرار بعض الصّحابة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أنْ باغتهم العدوّ.
فأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العباس بن عبد المطلب أنْ يناديهم، فقال: "يا أصحاب سورة البقرة"، وفي ذلك إشارة إلى أنّه لا ينبغي لمن أكرمه الله -تعالى- بحفظ سورة البقرة أنْ ينْكصَ أو يتأخّر عن مواجهة العدوّ.
وعن القتال في سبيل الله تعالى، فقد جاء عن عنبة بن فرقد: "رأى النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في أصحابِهِ تأخُّراً، وأظنُّ هذا كانَ يومَ حُنَيْنٍ، حينَ ولَّوا مدبرينَ، أمرَ العبَّاسَ فَناداهم: يا أصحابَ سورة البقرةِ وينشِّطَهُم بذلِكَ، فجعلوا يُقبِلونَ من كلِّ وجهٍ".